من قتل منطق الدولة المدنية وهيبتها وسلطة القانون والشرعية الدستورية
يرجع تمسك المواطنين اليمنيين بالعلاقات القبلية إلى طبيعة علاقة الدولة اليمنية بالمجتمع، فالدولة لا تتعامل بشكل مباشر مع المواطنين، بل تتعامل معهم عن طريق شيوخ القبائل والنخب التقليدية, حيث يشكل أبناء شيوخ القبائل حوالي 65% من وكلاء المحافظات والوكلاء المساعدين، كما يشكل شيوخ القبائل وأبنائهم حوالي 62% من محافظي المحافظات، و50% من أعضاء مجلس النواب، وحوالي 35% من أعضاء مجلس الشورى، وبشكلٍ عام فإن شيوخ القبائل وأبنائهم يستحوذون على ما يزيد قليلاً عن نصف المراكز العليا في مؤسسات السلطتين التشريعية والتنفيذية. فالمواطن لا يستطيع أن يكون مواطناً فاعلاً إلا إذا تم ارتباطه بالدولة مباشرة، وتعاملت معه مباشرة دون وسطاء، فتعامل الدولة مع المواطن عبر وسطاء يُقوي العلاقات العصبوية القائمة على الموالاة والتبعية الشخصية، والمجتمع العصبوي هو مجتمع يحتفظ بملامح إقطاعية، تتسم الممارسة السياسية فيه بطابع عدائي وشقاقي، ولا يمثل بيئة ملائمة للديمقراطية الليبرالية والتداول السلمي للسلطة.
بعد قيام الثورة الشبابية اليمنية وتاييد القبيلة اليمنية للثورة واعلان رغبتها في قيام دولة مدنية عادلة, وقطع علاقتها بالدولة بشكل عملي واثبتته الاحداث وانتقام النظام عسكريا منها في محاولة لتشويه الثورة الشبابية وجرها الى مربع العنف للقضاء عليها, خسر النظام المهزوم ورقة القبيلة وبدا بالنحيب والبكاء على هيبة الدولة وسلطة القانون والشرعية الدستورية, معتبرا هزيمته السياسية والاخلاقية والعسكرية انتكاسة لمنطق الدولة المدنية وهيبة النظام والقانون الذان قضى عليهما بنفسه, وهو ما ادى اصلا الى قيام هذه الثورة المباركة. فاذا نظرنا للخروقات الدستورية للنظام المنتهي الصلاحية اعتبارا فقط منذ قيام ثورة الشباب سنجد بان النظام الغى الدستور واوقف العمل بالقوانين النافذة في الاحداث الاتية:
1- عند بدء خروج الشباب امام بوابة جامعة صنعاء, اوعز النظام لعناصره بالهجوم والاعتداء عليهم, ما نجم عنه سقوط العديد من الشباب بين قتيل وجريح.
2- عند نجاح الشباب في الاعتصام في ساحة التغيير امام جامعة صنعاء, اقتنع النظام بانه حق دستوري لكنه ادعى بان ذلك يتسبب في اقلاق السكينة العامة ويهدد سلامة المواطنين وامنهم واعراضهم. واذا كان هذا الادعاء حقيقيا فان على الدولة البحث عن مواقع بديلة للاعتصام مثل ساحة السبعين, لكنها عوضا عن ذلك قامت بتشكيل مجاميع مسلحة استجابة لاعلان رئيس النظام بان كل مواطن سيقوم بحماية نفسه وماله وعرضه, وهو اول اعلان رسمي بتخلي الدولة سلطاتها وعن وظيفتها الدستورية والقانونية في حماية امن وسلامة مواطنيها.
3- منعت الدولة وحدات الشرطة من ممارسة وظيفتها الدستورية في حفظ النظام, وانزلت بدلا عنها الى شوارع المدن اليمنية قوات الامن المركزي المسلحة والحرس الجمهوري والقوات الخاصة والامن القومي.
4- بدات اعمال القتل للمعتصمين بطريقتين لاعتبارات قبلية, الاولى عبر القوات النظامية في المحافظات الجنوبية والثانية عبر قوات بلباس مدني في المحافظات الشمالية وجميعها استخدمت الاسلحة النارية الفردية والمحمولة على الاليات العسكرية, سقط فيها عشرات المواطنين اليمنيين العزل بين قتيل وجريح. منعت خلالها الدولة المؤسسات الصحية الحكومية من تقديم خدماتها للضحايا واسعافهم, كما منعت اجهزة الضبط القضائي ومؤسسات القضاء من القيام بواجباتها الدستورية والقانونية تجاه تلك الجرائم المشهودة. كما قام النظام بالغاء العمل بقانون الاجراءات الجزائية عبر تشكيل لجان تحقيق غير قضائية لم تصل الى نتيجة.
5- في ابشع مجزرة دموية وعلنية للمعتصمين السلميين بصنعاء في جمعة الكرامة, وبالرغم من تحديد هويات بعض مرتكبي المجزرة والقاء القبض على اخرين وتسليمهم للنيابة, الا اننا لم نرى أي من الاجراءات القضائية الاولية نحوهم الى الان.
6- اعلن رئيس النظام حالة الطوارئ في البلاد بالمخالفة للدستور, حيث تعطي المادة (121) من الدستور لرئيس الدولة حق إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة ووفقا للشروط التالية:
1. ان يكون الاعلان بقرار جمهوري على الوجه المبين في القانون, في الوقت الذي لايوجد مثل هذا القانون.
2. وجوب دعوة مجلس النواب لعرض هذا الإعلان عليه خلال السبعة الأيام التالية للإعلان, في حين ان المجلس لايملك نصاب الاجتماع.
3. عدم اعلان حالة الطوارئ إلا باحد الاسباب التالية: قيام الحرب أو, الفتنة الداخلية أو, الكوارث الطبيعية, في حين ان أي من هذه الاسباب غير متوفر.
فمن المعلوم ان لكل حالة من حالات الطوارئ اجراءات وجهات تنفيذية تختلف عن الحالات الاخرى وحقوق وواجبات كل فرد في المجتمع. فقد تقتصر الاجراءات على المنطقة التي تشهد فتنة دون ان تتاثر باقي المناطق بها, واذا شملت الفتنة كل مناطق البلد فان الاجراءات التنفيذية قد لا تستدعي على سبيل المثال الغاء العمل بالدستور والقوانين وحضر الاحزاب ووضع البلد تحت القبضة العسكرية واستيلاء الجيش على كافة المؤسسات المدنية والمطارات وتحويل امكانياتها الى المجهود العسكري واعلان التعبئة العامة, لكنها قد تستدعي تحديد فترات لحضر التجوال والتجمعات وتحديد الجهات التنفيذية. هذا يعني ان رئيس النظام رسميا الغى العمل بالدستور والقوانين.
7- اقال رئيس النظام حكومته وكلفها بتصريف الاعمال, وبالعودة الى الدستور سوف نجد بانه لم يعطي للرئيس مثل هذا الحق. فالمادة (98) من الدستور اعطت فقط لمجلس النواب الحق بسحب الثقة من الحكومة, وقصرت المادة (142) اقالة الحكومة على رئيس الوزراء وتوضح المادة (140) من الدستور بان تقوم حكومة تصريف الاعمال فقط بتصريف الشئون العامة العادية دون أي حق في التعيين والعزل. لكننا نرى ان الحكومة تقوم بالتعيين والفصل وتقديم مشاريع القوانين للبرلمان, دلالة على الغاء العمل بالدستور والقوانين.
من خلال ما اوردناه بعاليه نجد بان كل ما قام ويقوم به رئيس الجمهورية وحكومته ومن تبقى من حزبهما, هو خرقا فاضحا للدستور اليمني والقوانين النافذة وعرض البلاد وامنها واستقرارها ومصالحها للخطر وهدد امن واستقرار ومصالح المواطنين وتسبب في مقتل وجرح الكثير من مواطني الجمهورية اليمنية وتدمير العديد من المنشاءات المدنية والعسكرية, مما يثبت بشكل جلي ان هذا النظام لم يعد مؤتمنا على مقدرات الشعب ويستحق ان يزال عاجلا بكل الطرق المشروعة, وهو ما يؤكد صحة وصواب مطالب الشباب المعتصمين السلميين والنهج المتبع لتحقيقها, ويعطي للجميع الحق بتاييد تلك المطالب والعمل على تحقيقها.
د. محمد البنا